فصل: ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


 خلفاء بني العباس

أبو العباس السفاح وفي هذه السنة بويع أبو العباس السفاح واسمه عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس بالخلافة في ربيع الأول وقيل في ربيع الآخر بالكوفة بعد مسيره من الحميمة وكان سبب مسيره من الحميمة وكان مقامه بها أن إِبراهيم الإمام لما أمسكه مروان نعى نفسه إِلى أهل بيته وأمرهم بالمسير إلى أهل الكوفة مع أخيه أبي العباس السفاح وبالسمع له والطاعة وأوصى إِبراهيم الإمام بالخلافة إِلى أخيه السفاح وسار أبو العباس السفاح بأهل بيته منهم أخوه أبو جعفر المنصور وغيره إِلى الكوفة فقدم إليها في صفر واستخفى إِلى شهر ربيع الأول فظهر وسلم عليه الناس بالخلافة وعزره في أخيه إبراهيم الإمام ودخل دار الإمارة بالكوفة صبيحة يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول من هذه السنة أعني سنة اثنتين وثلاثين ومائة‏.‏

ثم خرج إِلى المسجد فخطب وصلى بالناس ثم صعد إِلى المنبر ثانياً وصعد عمه داود بن علي فقام دونه وخطبا الناس وحضاهم على الطاعة ثم نزل السفاح وعمه داود بن علي أمامه حتى دخل القصر وأجلس أخاه أبا جعفر المنصور في المسجد يأخذ له البيعة على الناس ثم خرج السفاح فعسكر بحمام أعين واستخلف على الكوفة وأرضها عمه داود بن علي وحاجب السفاح يومئذ عبد الله ابن بسام‏.‏

ثم بعث السفاح عمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس إلى شهرزور وأهلها مذعنون بالطاعة لبني العباس وبها من جهة بني العباس أبو عون عبد الملك بن يزيد الأزدي‏.‏

وبعث ابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد إِلى الحسن بن قحطبة وهو يومئذ يحاصر ابن هبيرة بواسط‏.‏

وبعث يحيى بن جعفر بن تمام بن عباس إِلى حميد بن قحطبة أخي الحسن بن قحطبة بالمدائن وأقام السفاح في العسكر أشهراً ثم ارتحل فنزل المدينة الهاشمية وهي هاشمية الكوفة بقصر الإِمارة‏.‏

هزيمة مروان بالزاب وأخباره إلى أن قتل كان مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف آخر خلفاء بني أمية وكان يقال له مروان الجعدي وحمار الجزيرة أيضاً بحران فسار منها طالباً أبا عون عبد الملك بن يزيد الأزدي المستولي على شهرزور من جهة بني العباس فلما وصل مروان إِلى الزاب نزل به وحفر عليه خندقاً وكان في مائة ألف وعشرين ألفاً وسار أبو عون من شهرزور إِلى الزاب بما عنده من الجموع وأردفه السفاح بعساكر في دفوع مع عدة مقدمين منهم سلمة بن محمد ابن عبد الله الطائي وعم السفاح عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس كما ذكرناه ولما قدم عبد الله بن علي على أبي عون تحول أبو عون عن سرادقه وخلاه له وما فيه‏.‏

ثم إِن مروان عقد جسراً على الزاب وعبر إِلى جهة عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس فسار عبد الله بن علي إلى مروان وقد جعل على ميمنته أبا عون وعلى ميسرته الوليد بن معاوية وكان عسكر عبد الله عشرين ألفاً وقيل أقل من ذلك والتقى الجمعان واشتد بينهم القتال وداخل عسكر مروان الفشل وصار لا يريد أمراً إِلا وكان فيه الخلل حتى تمت الهزيمة على عسكر مروان فانهزموا وغرق من أصحاب مروان عدة كثيرة وكان ممن غرق إِبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان المخلوع وهو يومئذ مع مروان الحمار وكتب عبد الله بن علي إِلى السفاح بالفتح وحوى من عسكر مروان سلاحاً كثيراً‏.‏

وكانت هزيمة مروان بالزاب يوم السبت لإحدى عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة ولما انهزم مروان من الزاب أتى الموصل فسبّه أهلها وقالوا‏:‏ يا جعدي الحمد لله الذي أتانا بأهل بيت نبينا فسار عنها حتى أتى حران وأقام بها نيفاً وعشرين يوماً حتى دنا منه عسكر السفاح فحمل مروان أهله وخيله ومضى منهزماً إلى حمص وقدم عبد الله بن علي حران ثم سار مروان من حمص وأتى دمشق ثم سار عن دمشق إِلى فلسطين وكان السفاح قد كتب إِلى عمه عبد الله بن علي باتباع مروان فسار عبد الله في أثره إلى أن وصل إلى دمشق فحاصرها ودخلها عنوة يوم الأربعاء لخمس مضين من رمضان سنة اثنتين وثلاثين ومائة‏.‏

ولما فتح عبد الله بن علي دمشق أقام بها خمسة عشرة يوماً ثم سار من دمشق حتى أتى فلسطين فورد عليه كتاب السفاح يأمره أن يرسل أخاه صالح بن علي بن عبد الله بن عباس في طلب مروان فسار صالح في ذي القعدة من هذه السنة حتى نزل نيل مصر ومروان منهزم قدامه حتى أدركه في كنيسة في بوصير من أعمال مصر وانهزم أصحاب مروان وطعن إِنسان مروان برمح فقتله وسبق إِليه رجل من أهل الكوفة كان يبيع الرمان فاحتز رأسه وكان قتله لثلاث بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة ولما أحضر رأسه قدام صالح بن علي بن عبد الله ابن العباس أمر أن ينفض فانقطع لسانه فأخذته هرة وأرسله صالح إلى السفاح قد فتحَ اللهُ مصراً عنوةً لكُمُ وأهلك الفاجرَ الجعديَ إِذ ظلما وذاك مقوله هر يجرره وكان ربُكَ من ذي الكفر منتقما ثم رجع صالح المذكور إِلى الشام وخلف أبا عون بمصر ولما وصل الرأس إِلى السفاح وهو بالكوفة سجد شكراً لله تعالى ولما قتل مروان هرب ابناه عبد الله وعبيد الله إِلى أرض الحبشة فقاتلتهم الحبشة فقتل عبيد الله ونجا عبد الله في عدّة ممن معه وبقي إلى خلافة المهدي فأخذه نصر بن محمد بن الأشعث عامل فلسطين فبعث به إِلى المهدي ولما قتل مروان حُملت نساؤه وبناته إِلى بين يدي صالح بن علي بن عبد الله بن عباس فأمر بحملهن إلى حران فلما دخلنها ورأين منازل مروان رفعن أصواتهن بالبكاء وكان عمر مروان لما قتل اثنتين وستين سنة وكانت مدة خلافته خمس سنين وعشرة أشهر ونصفاً وكان يكنى أبا عبد الملك وكانت أمه أم ولد كردية وكان يلقب بالحمار وبالجعدي لأنه تعلم من الجعد بن درهم مذهبه في القول بخلق القرآن والقدر وكان مروان بن محمد الحكمٍ المذكور أبيض أشهل ضخم الهامة كث اللحية أبيضها ربعة وكان شجاعاً حازماً إلا أن مدته انقضت فلم ينفعه حزمه وهو آخر الخلفاء من بني أمية‏.‏

من قتل من بني أمية كان سليمان بن هشام بن عبد الملك قد أمنه السفاح وأكرمه فدخل سديف على السفاح وأنشده‏:‏ لا يغرنك ما ترى من رجال إِنّ تحت الضلوع داء دويا فضع السيفَ وارفع السوطَ حتّى لا ترىَ فوق ظهرها أمويا فأمر السفاح بقتل سليمان فقتل وكان قد اجتمع عند عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس عدة من بني أمية نحو تسعين رجلاً فلما اجتمعوا عند حضور الطعام دخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن علي عم السفاح المذكور وأنشده‏:‏ أصبحَ الملك ثابتُ الأساسِ بالبهاليل من بني العباسِ طلبوا وتر هاشم فشفوها بعد ميل من الزمان وياسِ لا تقيلن عبد شمس عثاراً واقطعن كل رقلة وغرَاس ذلها أظهر التودد منها وبها منكم كحد المواسي ولقد ساءني وساء سوائي قربهم من نمارق وكراسي أنزلوها بحيث أنزلها الل - - ه بدار الهوان والإتعاسِ واذكروا مصرع الحسين وزيد وشهيد بجانبَ المهراس فأمر عبد الله بهم فضربوا بالعمد حتى وقعوا وبسط عليهم الأنطاع ومد عليهم الطعام وأكل الناس وهم يسمعون أنينهم حتى ماتوا جميعاً وأمر عبد الله بنبش قبور بني أمية بدمشق فنبش قبر معاوية بن أبي سفيان ونبش قبر يزيد ابنه ونبش قبر عبد الملك بن مروان ونبش قبر هشام بن عبد الملك فوجد صحيحاً فأمر بصلبه فصلب ثم أحرقه بالنار وذراه وتتبع يقتل بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم فلم يفلت منهم غير رضيع أو من هرب إِلى الأندلس وكذلك قَتَل سليمان ابن علي بن عبد الله بن عباس بالبصرة جماعة من بني أمية وألقاهم في الطريق فأكلتهم الكلاب ولما رأى من بقي من بني أمية ذلك تشتتوا واختفوا في البلاد‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة اثنتين وثلاثين ومائة خلع أبو الورد بن الكوثر وكان من أصحاب مروان بن محمد طاعة بني العباس بعد أن كان قد دخل في طاعتهم فسار عبد الله بن علي ابن عبد الله بن عباس إِلى أبي الورد وهو بقنسرين في جمع عظيم واقتتلوا قتالاً شديداً وكثر القتل في الفريقين ثم انهزمت أصحاب أبي الورد وثبت أبو الورد حتى قتل‏.‏

ولما فرغ عبد الله بن علي من أمر أبي الورد من أهل قنسرين وجدد البيعة معهم ثم رجع إِلى دمشق وكان قد خرج من بها عن الطاعة أيضاً ونهبوا أهل عبد الله بن علي فلما دنا عبد الله من دمشق هربوا ثم أمنهم‏.‏

وفيها ولى السفاح أخاه يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الموصل وكان أهلها قد أخرجوا الوالي الذي بها فسار يحيى إِلى الموصل ولما استقر بها قتل من أهلها نحو أحد عشر ألف رجل ثم أمر بقتل نسائهم وصبيانهم وكان مع يحيى قائد معه أربعة آلاف زنجي فاستوقفت امرأة من الموصل يحيى وقالت‏:‏ مأنف للعربيات أن ينكحن الزنوج فعمل كلامها فيه وجمع الزنوج فقتلهم عن آخرهم‏.‏

وفي هذه السنة أرسل السفاح أخاه أبا جعفر المنصور والياً على الجزيرة وأذربيجان وأرمنية وولى عمه داود المدينة ومكة واليمن واليمامة وولى ابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الكوفة وسوادها وكان على الشام عمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس وعلى مصر أبو عون بن يزيد وعلى خراسان والجبال أبو مسلم‏.‏

 

ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين ومائة

فيها استولى ملك الروم وكان اسمه قسطنطين على ملطية وقاليقلا وفيها ولى السفاح عمه سليمان بن علي ابن عبد الله بن عباس البصرة وكور دجلة والبحرين وعمان واستعمل عمه إِسماعيل ابن علي بن عبد الله بن عباس على الأهواز‏.‏

وفيها مات عم السفاح داود بن علي بالمدينة وولى السفاح مكانه زياد بن عبد الله الحارثي‏.‏

وفيها عزل السفاح أخاه يحيى بن محمد عن الموصل لكثرة قتله فيهم وولى عليها عمه إِسماعيل

 

ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائة

فيها تحول السفاح من الحيرة وكان مقامه بها إِلى الأنبار في ذي الحجة‏.‏

 

ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ومائة

فيها توفي يحيى أخو السفاح بفارس وكان قد ولاه إِياها السفاح بعد عزله عن الموصل‏.‏

 

ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائة

فيها استأذن أبو مسلم السفاح في القدوم عليه وفي الحج فأذن له فحج أبو مسلم وحج أبو جعفر المنصور أيضاً وكان أبو جعفر هو أمير الموسم‏.‏

موت السفاح

في هذه السنة مات السفاح بالأنبار في ذي الحجة بالجدري وعمره ثلاث وثلاثون سنة فمدة خلافته من لدن قتل مروان أربع سنين وكان قد بويع له بالخلافة قبل قتل مروان بثمانية أشهر وكان السفاح طويلا أقنى الأنف أبيض حسن الوجه واللحيه وصلى عليه عمه عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس ودفنه بالزنبار العتيقة‏.‏

خلافة المنصور

وهو ثاني خلفاء بني العباس كان السفاح قد عهد بالخلافة إِلى أخيه أبي جعفر المنصور ثم من بعده إلى ابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فعقد العهد في ثوب وختم عليه ودفعه إلى عيسى بن موسى ولما مات السفاح كان أبو جعفر في الحج فأخذ لـه البيعـة على الناس عيسى بن موسى وأرسل يعلمه بذلك وبموت السفاح وكان مع أبي جعفر أبو مسلم في الحج فبايع أبو مسلم أبا جعفر وبايعه الناس‏.‏

 

ثم دخلت سنة سبع وثلاثين ومائة

فيها قدم أبو جعفر المنصور من الحج إلى الكوفة فصلى بأهلها الجمعة وخطبهم وسار إلى الأنبار فأقام بها‏.‏

وفيهـا بايـع عـم المنصـور عبـد اللـه بـن علـي بن عبد الله بن عباس لنفسه بالخلافة وكان أبو مسلم قـد قـدم مـن الحـج مـع أبـي جعفـر المنصـور فأرسـل أبو جعفر أبا مسلم ومعه الجنود إِلى قتال عمه عبـد اللـه بن علي وكان عبد الله بأرض نصيبين فاقتتل هو وأبو مسلم عدة دفوع واجتهد أبو مسلـم بأنـواع الخـدع فـي قتالـه ودامـوا كذلـك مـدّة وفـي آخر الأمر انهزم عبد الله بن علي وأصحابه في جمادى الآخرة من هذه السنة إِلى جهة العراق واستولى أبو مسلم على عسكره وكتب قتل أبي مسلم الخراساني وفيها قتل أبو جعفر المنصور أبا مسلم الخراساني بسبب وحشة جرت بينهما فإِن المنصور كتب إِلى أبي مسلم بعـد أن هـزم عبـد اللـه عمـه بالولايـة علـى مصـر والشـام وصرفـه عـن خراسان فلم يجب أبو مسلم إِلى ذلك وتوجه أبو مسلم يريد خراسان وسار المنصور من الأنبار إلى المدائن وكتب إلى أبي مسلم يطلبه إليه فاعتذر عن الحضور إِليه وطالت بينهما المراسلـات فـي ذلـك وآخـر الأمـر أن أبـا مسلـم قـدم علـى أبـي جعفـر المنصـور بالمدائن في ثلاثة آلاف رجـل وخلـف باقـي عسكـره بحلـوان ولمـا قـدم أبو مسلم دخل على المنصور وقبل يده وانصرف فلما كان من الغد ترك المنصور بعض حرسه خلف الرواق وأمرهم أنـه إذا صفـق بيديه يخرجون ويقتلون أبا مسلم ودعا أبا مسلم فلما حضر أخذ المنصور يعدد ذنوبه وأبو مسلـم يعتذر عنها ثم صفق المنصور فخْرجَ الحرس وقتلوا أبا مسلم وكان قتله في شعبان من هـذه السنـة أعنـي سنـة سبع وثلاثين ومائة وكان أبو مسلم قد قتل في مدة دولته ستمائة ألف صبراً‏.‏

 

ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائة

في هذه السنة خرج قسطنطين ملك الروم إلى بلد الإسلام فأخذ ملطية عنوة وهدم سورها وعفا عن من فيها من المقاتلة والذرية وقد مر في سنة ثلاث وثلاثين ومائة نحو ذلك وفيها وسع المنصور في المسجد الحرام‏.‏

 

ثم دخلت سنة تسع وثلاثين ومائة

ابتداء الدولة الأموية بالأندلس

فـي هـذه السنـة دخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان ابن الحكم إِلى الأندلس وسبب ذلك أنّ بني أميـة لمـا قتلـوا استخفـى مـن سلـم منهـم فهـرب عبـد الرحمـن المذكـور واستولـى علـى الأندلـس فـي هـذه السنـة‏.‏

وفيهـا ظفـر المنصور بعمه عبد الله بن علي بن عبـد اللـه بـن عبـاس وأعدمـه وكـان عبـد اللـه مستخفيـاً عنـد أخيـه سليمـان بن علي من حين هرب من أبي مسلم على ما ذكرناه‏.‏

 

ثم دخلت سنة أربعين ومائة

في هذه السنة أرسل المنصور عبد الوهاب ابن أخيه إبراهيم الإمـام والحسـن بـن قحطبـة فـي سبعيـن ألف مقاتل ليعمروا ملطية فعمروها في ستة أشهر وسار إِليهم ملك الروم في مائة ألف مقاتل حتى نزل على نهر جيحان فبلغه كثرة المسلمين فرجع عنهم‏.‏

وفيهـا حـج المنصـور وتوجه إلى البيت المقدس ثم إِلى الرقة وعاد إِلى هاشمية الكوفة وفيها أمر المنصور بعمارة مدينـة المصيصـة وبنـى بهـا مسجـداً جامعـاً وأسكنهـا ألـف جنـدي وسماهـا المعمورة‏.‏

 

ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائة

في هذه السنة كان خروج الراوندية علـى المنصور وهم قوم من أهـل خراسـان علـى مذهـب أبـي مسلـم الخراسانـي يقولـون بالتناسـخ فيزعمـون أن روح آدم فـي عثمـان بـن نهيـك وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو الخليفة أبو جعفر المنصـور فلمـا ظهـروا وأتـوا إِلى قصر المنصور قالوا‏:‏ هذا قصر ربنا فحبس المنصور رؤساءهم وهم مائتان فغضب أصحابهم وأخذوا نعشاً وحملوه ومشوا به على أنهم ماشون في جنازة حتى بلغوا باب السجن فرموا بالنعش وكسروا باب السجن وأخرجوا رؤساءهم ثم قصدوا المنصـور وهـم نحـو ستمائـة رجـل فتنـادى النـاس وأغلقـت أبـواب المدينـة وخـرج المنصور ماشياً واجتمع عليه الناس وكان معن بن زائدة مستخفياً من المنصور فحضر وقاتل الراوندية بين يدي المنصور فعفا عن معن لذلك وقتل في ذلك اليوم الراوندية عن آخرهم‏.‏

 

ثم دخلت سنة اثنتيـن وأربعيـن ومائـة

فيهـا مات عم المنصور سليمان بن علي‏.‏

 

ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين ومائة

ودخلت سنة أربع وأربعين ومائة في هذه السنة حبس المنصور من بني الحسـن بـن علـي بـن أبـي طالـب أحـد عشـر رجـلا وقيدهـم وفيهـا مات عبد الله بن شبرمة وعمرو بن عبيد المعتزلي الزاهد وعقيل بن خالد صاحب الزهري‏.‏

 

ثم دخلت سنة خمـس وأربعيـن ومائـة

فيهـا ظهـر محمـد بـن عبـد اللـه بـن الحسـن ابـن الحسين بن علي بـن أبي طالب واستولى على المدينة وتبعه أهلها فأرسل المنصور ابن أخيه عيسى بن موسى إِليـه فوصل إِلى المدينة وخندق محمد ابن عبد الله على نفسه موضع خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم للأحزاب وجرى بينهما قتال آخره أن محمد بن عبد الله المذكـور فتـل هـو وجماعة من أهل بيته وأصحابه وانهزم من سلم من أصحابه وكان محمد المذكور سميناً أسمر شجاعاً كثير الصوم والصلاة وكان يلقب المهدي والنفس الزكية ولما قتـل محمـد أقـام عيسـى بن موسى بالمدينة أياماً ثم سار عنها في أواخر رمضان يريد مكة معتمراً‏.‏

بناء بغداد

وفي هذه السنة ابتدأ المنصور في بناء مدينة بغداد وسبب ذلك‏:‏ أن المنصور كره سكنى الهاشمية التي ابتناها أخوه بنواحي الكوفة لما ثارت عليه الراوندية فيها وكرهها أيضاً لجوار أهل الكوفة فإنه كان لا يأمنهـم علـى نفسـه فخـرج يرتـاد لـه موضعـاً يسكنـه فاختـار موضـع بغداد وابتدأ في عملها سنة خمس وأربعين ومائة‏.‏

ظهور إبراهيم العلوي فـي هـذه السنـة أيضـاً فـي رمضـان ظهـر إبراهيـم بـن عبـد اللـه بـن الحسـن بـن الحسيـن بـن علـي بـن أبـي طالب أخو محمد النفس الزكية وكان مستخفياً هارباً من بلد إِلى بلد والمنصور مجتهد على الظفر به فقدم البصرة ودعا الناس إِلى بيعة أخيه محمد بن عبد الله وذلك قبل أن يبلغه قتله بالمدينة فبايعه جماعة منهم‏:‏ مرة العبشمي وعبد الواحد بن زياد وعمرو بن سلمة الهجيمي وعبد الله بن يحيى الرقاشي وأجابه جماعة كثيرة من الفقهاء وأهل العلم حتى أحصى ديوانه أربعة آلاف وكان أمير البصرة سفيان بن معاوية فلما رأى اجتماع الناس على إِبراهيم المذكور تحصـن فـي دار الإمـارة بجماعـة فقصـده إِبراهيـم وحصـره فطلـب سفيـان منه الأمان فأمنّه إبراهيم ودخل إِبراهيم القصر فجاء يجلس على حصير فرشت له هناك فقلبها الريح فتطير النـاس بذلـك فقال إِبراهيم‏:‏ إِنا لا نتطير وجلس عليها مقلوبة ووجد إبراهيم في بيت المال ألفي ألف درهم فاستعان بها وفرض لأصحابه خمسين خمسين‏.‏

ومضى إِبراهيم بنفسه إِلى دار زينب بنت سليمان بن علي بن عبد اللّه بن عباس وإليها ينسب الزينبيون من العباسيين فنادى هناك لأهل البصرة بالأمان وأن لا يتعرض إليهم أحد‏.‏

ولمّـا استقرت البصرة لإبراهيم أرسل جماعة فاستولوا على الأهواز ثم أرسل هارون بن سعد العجلي في سبعة عشر ألفاً إِلى واسط فملكها العجلي ولم يزل إبراهيم بالبصرة يفرق العمال والجيوش حتى أتاه خبر مقتل أخيه محمد بن عبد اَلله قبل عيد الفطر بثلاثة أيام‏.‏

ثم إِن إبراهيم أجمع على المسير إِلى الكوفة وسار من البصرة وقد أحصى ديوانه مائة ألف حتـى نـزل باحمـرا وهـي مـن الكوفـة على ستة عشر فرسخاً وكان المنصور قد استدعى عيسى بـن موسـى من الحجاز فحضر وجعله في جيش قبالة إِبراهيم بن عبد الله وجرى بينهما قتال شديـد انهـزم فيـه غالـب عسكـر عيسـى بـن موسى ثم تراجعوا‏.‏

ثم وقعت الهزيمة على أصحاب إِبراهيـم وثبـت هـو فـي نفـر قليـل مـن أصحابـه يبلغـون ستمائـة فجـاء سهـم في حلق إِبراهيم فتنحى عن موقفه فقال أردنا أمراً وأراد الله غيره واجتمع عليه أصحابه وأنزلوه فحمل عليهم عسكر عيسـى ابـن موسـى وفرقوهم عنه واحتزوا رأس إِبراهيم وأتوا به إِلى عيسى فسجد شكراً لله تعالى وبعث به إِلى المنصور‏.‏

وكان قتل إِبراهيم لخمس بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعيـن ومائـة وكـان عمـره ثمانيـاً وأربعيـن سنـة‏.‏

 

ثم دخلت سنة سـت وأربعيـن ومائـة

فيهـا تحول المنصور من مدينة ابن هبيرة إِلى بغـداد ليكمـل عمارتهـا واستشـار أصحابـه وفيهـم خالـد بـن برمـك فـي نقـض إِيـوان كسـرى والمدائن ونقل ذلك إلى بغداد فقال خالد ابن برمك‏:‏ لا أرى ذلك لأنه من أعلام المسلمين فقال المنصور‏:‏ مِلتَ يا خالد إلى أصحابك العجم وأمر المنصور بنقـض القصـر الأبيـض فنقضـت ناحية منه فكان ما يغرمون على نقضه أكثر مـن قيمـة ذلـك المنقـوض فتـرك نقضـه فقـال لـه خالد‏:‏ إِني لا أرى أن تبطل ذلك لئلا يقال أنك عجزت عن تخريب ما بناه غيرك فلم يلتفت المنصور إِلى ذلك وترك هدمه ونقل المنصور أبواب مدينة واسط فجعلها على بغداد وجعل المنصور بغداد مدوّرة لئلا يكون بعض الناس أقرب إِلى السلطان من بعض وبني قصره في

 

ثم دخلت سنة سبـع وأربعيـن ومائـة

فيهـا خلـع المنصـور ابـن أخيـه عيسـى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس من ولاية العهد وبايع لابنه المهدي محمد بن المنصور‏.‏

 

ثم دخلت سنة ثمان وأربعين ومائة

فيها ولد الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك وفيها ولىّ المنصور خالد بن برمك الموصل وكان مولد الفضل قبل مولد الرشيد بتسعة أيام فأرضعته الخيزران أم الرشيد‏.‏

وفيهـا توفـي جعفـر الصـادق بـن محمـد الباقـر بـن زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب‏.‏

وجعفر الصادق أحد الأئمة الاثني عشر على رأي الإمامية فإِنه قد تقدم منهم علي بن أبي طالب ثم ابنـه الحسـن ثـم الحسيـن ثـم زيـن العابديـن ثـم الباقـر ثـم جعفـر الصـادق المذكور وسنذكر الباقين إِن شاء الله تعالى وسمي جعفر بالصادق لصدقه وله كلام في صنعة الكيميـاء والزجـر والفـأل وولـد سنـة ثمانيـن وتوفـي في هذه السنة‏.‏

أعني سنة ثمان وأربعين ومائة بالمدينة ودفن بالبقيع وأمّه بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه‏.‏

وفيها توفى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي‏.‏

 

ثم دخلت سنة تسع وأربعين ومائة

فيها مات مسلم بن قتيبة بالري وكان مشهوراً عظيم القـدر وفيهـا مات كهمش بن الحسن التميمي البصري‏.‏

وفيها مات عيسى بن عمر الثقفي وعنه

 

ثم دخلت سنة خمسيـن ومائـة

فيها بنى عبد الرحمن الأموي سور قرطبة وفيها مات جعفر بن أبي جعفر المنصور وفيها مات الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت ابن زوطا مولى تيم الله بن ثعلبة وكان زوطا من أهل كابل وقيل من أهل بابل وقيل من أهل الأنبار وهو الذكي مسه الرق فأعتق وولد له ثابت على الإسلام وقال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة المذكور‏:‏ ما وقع علينا رِق قط وروى أن ثابتاً أبا أبي حنيفة وهو صغير ذهب إِلى علي بن أبي طالب فدعا له بالبركة فيـه وفـي ذريتـه‏.‏

وقيـل فـي نسـب أبـي حنيفـة غيـر ذلـك فقيـل‏:‏ هـو النعمـان بـن ثابـت بـن النعمـان بـن المرزبـان وأن جده النعمان بن المرزبان أهدى إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في يوم المهرجان فالوذجا فقال له علي‏:‏ مهرجونا في كل يوم وأدرك أبو حنيفة أربعة من الصحابة وهم أنس بن مالك وعبد الله بن أُبي أوفى بالكوفة وسهل بـن سعـد الساعـدي بالمدينة وأبو الطفيل عامر بن واثلة بمكة ولم يلق أحداً منهم ولا أخذ عنهم وأصحابه يقولون‏:‏ لقي جماعة من الصحابة وأخذ عنهم ولم يثبت ذلك عند أهل النقل‏.‏

وكان أبو حنيفة عالماً عاملاً زاهداً ورعاً راوده أبو جعفر المنصور في أن يلي القضاء فامتنع وكان حسن الوجه ربعة وقيل طويلاً أحسن الناس منطقاً‏.‏

قال الشافعي‏:‏ قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة فقال‏:‏ نعم رأيت رجلاً لـو كلمتـه فـي هـذه السارية أن يجعلها ذهباً لقـام بحجتـه وكـان يصلـي غالـب الليـل حتـى قيـل إِنـه صلـى الصبـح بوضـوء عشـاء الآخـرة أربعيـن سنـة وحفـظ عليـه أنـه ختـم القـرآن فـي الموضـع الذي توفي فيه سبعة آلاف مرة‏.‏

وكان يعاب بقلة العربية وكانت ولادته سنة ثمانين للهجرة وقيل ولد سنة إِحدى وستين وكانت وفاته ببغداد في السجن ليلي القضاء فلم يفعل وقيل إِنه توفي في اليوم الذي ولد فيه الشافعي وذلك في رجب من هذه السنة وقيل في جمادى الأولى وقبره ببغـداد مشهور‏.‏

وزوطا بضم الزاي المعجمة وسكون الواو وفتح الطاء المهملة‏.‏

وفيها مات محمد بن إسحاق صاحب المغازي فقيل كانت وفاة محمد بـن إِسحـاق المذكـور سنة إحدى وخمسين ومائة وكان ثبتاً في الحديث عند أكثر العلماء وقد ذكره البخاري في تاريخـه ولكـن لـم يـرو عنـه وكذلـك مسلـم لـم يخـرج عنـه إلا حديثـاً واحـداً فـي الرجـم وإنمـا لـم يرو عنه البخاري لأجل طعن الإمام مالك بن أنس فيه وكانت وفاة ابن إسحاق ببغداد وفيها مـات مقاتل بن سليمان البلخي المفسر‏.‏

 

ثم دخلت سنة إِحدى وخمسين ومائة

فيها ولى المنصور هشام بن عمرو الثعلبي على السند وكـان على السند عمر بن حفص بن عثمان بن قبيصة بن أبي صفرة فعزله وولاه إِفريقية وكان يلقـب عمـر المذكور بهزار مرد أي ألف رجل وفيها بنى المنصور الرصافة للمهدي ابنه وهي من الجانب الشرقي من بغداد وحول إليها قطعة من جيشه وفيها قتل معن بن زائدة الشيبانـي بسجستان في بست‏.‏

وكان المنصور قد استعمله على سجستان قتله جماعة من الخوارج هجمـوا عليـه فـي بيتـه بغتـة وهـو يحتجـم فقتلـوه وقـام بالأمـر بعـده ابن أخيه يزيد بن مزبد بن زائدة الشيباني‏.‏

 

ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين ومائة

فيها غزا حميد بن قحطبة كابل وكان أمير خراسان‏.‏

 

ثم دخلت سنة ثلـاث وخمسيـن وسنـة أربـع وخمسيـن ومائـة

فيهـا أعنـي فـي سنـة أربـع وخمسيـن ومائـة توفي بالكوفة أبو عمرو واسمه كنيته ابن العلا بن عمار من ولد الحصين التميمـي المازنـي البصري وكانت ولادته في سنة سبعين وقيل ثمان وستين وهو أحد القراء السبعة وكان أعلم الناس بالقرآن الكريم وفيها سار المنصور إِلى الشام وجهز جيشاً إِلى المغرب لقتال الخوارج بها وفيها مات أشعب الطامع وفيها مات وهيب بن الورد المكي الزاهد‏.‏

 

ثم دخلت سنة خمس وخمسين ومائة

فيها عمل المنصور للكوفـة والبصـرة سـوراً وخندقـاً وجعل ما أنفق فيه مـن أمـوال أهلهمـا ولمـا أراد المنصـور معرفـة عددهـم أمـر أن يقسـم فيهـم خمسة الدراهم خمسة الدراهم ثم جبى منهم أربعين أربعين فقال بعض شعرائهم‏:‏ يا لقوم ما لقينا مـن أمير المؤمنينا

 

ثم دخلت سنة سـت وخمسيـن ومائـة

فـي هذه السنة توفي حمزة بن حبيب ابن عمارة الكوفي المعروف بالزيـات أحـد القـراء السبعـة وعنـه أخـذ الكسائـي القـراءة‏.‏

وكـان يجلـب الزيـت مـن الكوفة إِلى حلوان ويجلب من حلوان الجبن والجوز إلى الكوفة فقيل له الزيات لذلك‏.‏

 

ثم دخلت سنة سبع وخمسين ومائة

فيها مات الأوزاعي الفقيه واسمه‏:‏ عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد وعمره سبعون سنة وكنيته أبو عمرو وكان يسكن بيوت وبها توفي وكانت ولادته ببعلبـك سنة ثمان وثمانين للهجرة وكان يخضب بالحناء وكان إمام أهل الشام قيل إِنه أجاب في سبعيـن ألـف مسألة وقبره في قرية على باب بيروت يقال لها خنتوس وأهل القرية لا يعرفونه بل يقولون هاهنا رجل صالح‏.‏

والأوزاعي منصوب إِلى أوزاع وهي بطن من ذي كلاع وقيل بطن مـن همـذان وجـده يحمـد بضم الياء المثناة من تحتها وسكون الحاء المهملة وكسر الميم وبعدها دال مهملة‏.‏